كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الحادية عشرة: روى مسلم عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس» وعنه قال: دخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس بين ظَهْرَانِي الناس، قال فجلست فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منعك أن تركع ركعتين قبل أن تجلس؟» فقلت: يا رسول الله، رأيتك جالسًا والناس جلوس قال: «فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين» قال العلماء: فجعل صلى الله عليه وسلم للمسجد مزيّة يتميّز بها عن سائر البيوت، وهو ألا يجلس حتى يركع.
وعامّةُ العلماء على أن الأمر بالركوع على الندب والترغيب.
وقد ذهب داود وأصحابه إلى أن ذلك على الوجوب؛ وهذا باطل، ولو كان الأمر على ما قالوه لحرُم دخول المسجد على المحدث الحدث الأصغر حتى يتوضأ، ولا قائل به فيما أعلم، والله أعلم.
فإن قيل: فقد روى إبراهيم بن يزيد عن الأوزاعيّ عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين وإذا دخل أحدكم بيته فلا يجلس حتى يركع ركعتين فإن الله جاعل من ركعتيه في بيته خيرًا» وهذا يقتضي التسوِيَة بين المسجد والبيت.
قيل له: هذه الزيادة في الركوع عند دخول البيت لا أصل لها؛ قال ذلك البخاري.
وإنما يصح في هذا حديث أبي قتادة الذي تقدم لمسلم، وإبراهيم هذا لا أعلم روى عنه إلا سعد بن عبد الحميد، ولا أعلم له إلا هذا الحديث الواحد؛ قاله أبو محمد عبد الحق.
الثانية عشرة: روى سعيد بن زَبّان حدثني أبي عن أبيه عن جده عن أبي هند رضي الله عنه قال: حَمَل تميمٌ يعني الدّارِي من الشأم إلى المدينة قنادِيل وزَيْتًا ومُقُطًا، فلما انتهى إلى المدينة وافق ذلك ليلة الجمعة فأمر غلامًا يقال له أبو البزاد فقام فنَشَط المُقُطَ وعلق القناديل وصبّ فيها الماء والزيت وجعل فيها الفتيل؛ فلما غَرَبت الشمس أمر أبا البزاد فأسرجها، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فإذا هو بها تزهر؛ فقال: «من فعل هذا؟» قالوا: تميم الدّارِي يا رسول الله؛ فقال: «نوّرت الإسلام نوّر الله عليك في الدنيا والآخرة أمَا إنه لو كانت لي ابنة لزوّجْتُكَها» قال نَوْفل بن الحارث: لي ابنة يا رسول الله تسمى المغيرة بنت نَوْفل فافعل بها ما أردت؛ فأنكحه إيّاها.
زَبّان بفتح الزاي والباء وتشديدها بنقطة واحدة من تحتها ينفرد بالتّسمِّي به سعيد وحده، فهو أبو عثمان سعيد بن زَبّان بن قائد بن زبان بن أبي هند، وأبو هند هذا مولى بني بياضة حجّام النبيّ صلى الله عليه وسلم.
والمُقُط: جمع المِقاط، وهو الحبل، فكأنه مقلوب القِماط.
والله أعلم.
وروى ابن ماجه عن أبي سعيد الخُدْرِيّ قال: أوّل من أسرج في المساجد تَميمٌ الدّارِيّ.
وروي عن أنس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من أسرج في مسجد سراجًا لم تزل الملائكة وحَمَلة العرش يُصلّون عليه ويستغفرون له ما دام ذلك الضوء فيه وإن كنس غبار المسجد نقد الحُور العين» قال العلماء: ويستحب أن ينوّر البيت الذي يقرأ فيه القرآن بتعليق القناديل ونصب الشموع فيه، ويزاد في شهر رمضان في أنوار المساجد.
الثالثة عشرة: قوله تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بالغدو والآصال رِجَالٌ} اختلف العلماء في وصف الله تعالى المسبِّحين؛ فقيل: هم المراقبون أمر الله، الطالبون رضاءه، الذين لا يشغلهم عن الصلاة وذكر الله شيء من أمور الدنيا.
وقال كثير من الصحابة: نزلت هذه الآية في أهل الأسواق الذين إذا سمعوا النداء بالصلاة تركوا كلّ شغل وبادروا.
ورأى سالم بن عبد الله أهل الأسواق وهم مقبلون إلى الصلاة فقال: هؤلاء الذين أراد الله بقوله: {لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله}.
وروي ذلك عن ابن مسعود.
وقرأ عبد الله بن عامر وعاصم في رواية أبي بكر عنه والحسن {يسبَّح له فيها} بفتح الباء على ما لم يسمّ فاعله.
وكان نافع وابن عمر وأبو عمرو وحمزة يقرؤون {يُسَبِّح} بكسر الباء؛ وكذلك روى أبو عمرو عن عاصم.
فمن قرأ {يسبَّح} بفتح الباء كان على معنيين: أحدهما أن يرتفع {رجال} بفعل مضمر دلّ عليه الظاهر؛ بمعنى يسبّحه رجال؛ فيوقف على هذا على {الآصال} وقد ذكر سيبويه مثل هذا.
وأنشد:
لِيُبْكَ يَزِيدُ ضارعٌ لخصومة ** ومُخْتَبِط مما تُطيح الطّوائحُ

المعنى: يبكيه ضارع.
وعلى هذا تقول: ضُرب زيد عمرو؛ على معنى ضربه عمرو.
والوجه الآخر: أن يرتفع {رجال} بالابتداء، والخبر {في بيوت} أي في بيوت أذن الله أن ترفع رجال.
و{يسبح له فيها} حال من الضمير في {ترفع} كأنه قال: أن ترفع؛ مسبّحًا له فيها، ولا يوقف على {الآصال} على هذا التقدير.
ومن قرأ {يسبح} بكسر الباء لم يقف على {الآصال} لأن {يسبح} فعل للرجال، والفعل مضطر إلى فاعله ولا إضمار فيه.
وقد تقدم القول في {الغدوّ والآصال} في آخر الأعراف والحمد لله وحده.
الرابعة عشرة: قوله تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا} قيل: معناه يصلي.
وقال ابن عباس: كل تسبيح في القرآن صلاة؛ ويدل عليه قوله: {بِالغدوّ والآصالِ} أي بالغداة والعَشِيّ.
وقال أكثر المفسرين: أراد الصلاة المفروضة؛ فالغدوّ صلاة الصبح، والآصال صلاة الظهر والعصر والعشاءين؛ لأن اسم الآصال يجمعها.
الخامسة عشرة: روى أبو داود عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من خرج من بيته متطهِّرًا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المُحْرِم ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المُعْتَمِر وصلاةٌ على إثر صلاة لا لَغْوَ بينهما كتاب في علِّيِّين» وخرّج عن بُريدة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «بشّر المشّائين في الظُلَم إلى المساجد بالنور التامّ يوم القيامة» وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من غدا إلى المسجد أو راح أعدّ الله له نُزُلًا في الجنة كلما غَدَا أو راح» في غير الصحيح من الزيادة «كما أن أحدكم لو زار من يحب زيارته لاجتهد في كرامته» ذكره الثعلبي.
وخرّج مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خَطْوتاه إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة» وعنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعا وعشرين درجة وذلك أن أحدهم إذا توضّأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا يَنْهَزُه إلا الصلاةُ لا يريد إلا الصلاة فلم يَخْطُ خُطوةً إلا رُفع له بها درجةٌ وحُطّ عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبِسه والملائكة يصلّون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلّى فيه يقولون اللَّهُمَّ ارحمه اللَّهُم اغفر له اللَّهُمَّ تُب عليه ما لم يُوْذِ فيه ما لم يُحْدِث فيه» في رواية: ما يُحدث؟ قال: «يَفْسُو أو يَضْرِط».
وقال حكيم بن زريق: قيل لسعيد بن المسيب أحضور الجنازة أحبّ إليك أم الجلوس في المسجد؟ فقال: من صلّى على جنازة فله قيراط، ومن شهد دفنها فله قيراطان؛ والجلوس في المسجد أحبّ إلي؛ لأن الملائكة تقول: اللَّهُمَّ اغفر له اللَّهُمَّ ارحمه اللَّهُمَّ تُبْ عليه.
وروي عن الحكم بن عمير صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كونوا في الدنيا أضيافًا واتخذوا المساجد بيوتًا وعوّدوا قلوبكم الرقة وأكثروا التفكر والبكاء ولا تختلف بكم الأهواء تبنون ما لا تسكنون وتجمعون ما لا تأكلون وتؤمّلون ما لا تدركون» وقال أبو الدَّرْداء لابنه: ليكن المسجد بيتَك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن المساجد بيوت المتقين ومن كانت المساجد بيته ضمن الله تعالى له الرَّوح والراحة والجواز على الصراط» وكتب أبو صادق الأزدي إلى شعيب بن الحَبْحاب: أنْ عليك بالمساجد فالزمها؛ فإنه بلغني أنها كانت مجالس الأنبياء.
وقال أبو إدريس الخَوْلانِيّ: المساجد مجالس الكرام من الناس.
وقال مالك بن دينار: بلغني أن الله تبارك وتعالى يقول إني أَهُمّ بعذاب عبادي فأنظر إلى عُمّار المساجد وجلساء القرآن ووُلْدان الإسلام فيسكن غضبي.
وروي عنه عليه السلام أنه قال: «سيكون في آخر الزمان رجال يأتون المساجد فيقعدون فيها حِلَقًا حِلَقا ذِكْرُهم الدنيا وحبَّها فلا تجالسوهم فليس لله بهم حاجة» وقال ابن المسيِّب: من جلس في مسجد فإنما يجالس ربّه، فما حقّه أن يقول إلا خيرًا.
وقد مضى من تعظيم المساجد وحرمتها ما فيه كفاية.
وقد جمع بعض العلماء في ذلك خمس عشرة خصلة، فقال: من حرمة المسجد أن يسلّم وقت الدخول إن كان القوم جلوسًا، وإن لم يكن في المسجد أحد قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وأن يركع ركعتين قبل أن يجلس، وألا يشتري فيه ولا يبيع، ولا يَسُلّ فيه سهمًا ولا سيفًا، ولا يطلب فيه ضالة، ولا يرفع فيه صوتًا بغير ذكر الله تعالى، ولا يتكلّم فيه بأحاديث الدنيا، ولا يتخطّى رقاب الناس، ولا ينازع في المكان، ولا يضيّق على أحد في الصف، ولا يمرّ بين يدي مصلٍّ، ولا يبصق، ولا يتنخّم ولا يتمخّط فيه، ولا يفرقع أصابعه، ولا يعبث بشيء من جسده، وأن يُنَزَّه عن النجاسات والصبيان والمجانين، وإقامة الحدود، وأن يكثر ذكر الله تعالى ولا يغفل عنه.
فإذا فعل هذه الخصال فقد أدّى حق المسجد، وكان المسجد حرزًا له وحِصْنًا من الشيطان الرجيم.
وفي الخبر: «أن مسجدًا ارتفع بأهله إلى السماء يشكوهم إلى الله لما يتحدّثون فيه من أحاديث الدنيا».
وروى الدّارَقُطْنِيّ عن عامر الشّعْبِيّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اقتراب الساعة أن يُرَى الهلال قَبَلًا فيقال لليلتين وأن تتّخذ المساجد طُرُقًا وأن يظهر موت الفجأة» وهذا يرويه عبد الكبير بن المعافى عن شريك عن العباس بن ذَرِيح عن الشعبي عن أنس.
وغيره يرويه عن الشعبي مرسلًا، والله أعلم.
وقال أبو حاتم: عبد الكبير بن معافى ثقة كان يُعَدّ من الأبدال.
وفي البخاري عن أبي موسى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من مَرّ في شيء من مساجدنا أو أسواقنا بنَبْل فليأخذ على نِصالها لا يَعْقِر بكفّه مسلمًا» وخرّج مسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البُزاق في المسجد خطيئة وكفّارتها دفنها» وعن أبي ذَرًّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «عُرِضت عليّ أعمال أمّتِي حَسَنُها وسيئها فوجدتُ في محاسن أعمالها الأذى يُماط عن الطريق ووجدت في مساوىء أعمالها النُّخاعة تكون في المسجد لا تُدفن» وخرّج أبو داود عن الفرج بن فضالة عن أبي سعد الحميري قال: رأيت واثلة بن الأَسْقع في مسجد دمشق بَصَق على الحصير ثم مسحه برجله؛ فقيل له: لم فعلت هذا؟ قال: لأني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله.
فرج بن فضالة ضعيف، وأيضًا فلم يكن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حُصُر.
والصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بصق على الأرض ودلكه بنعله اليسرى، ولعلّ واثلة إنما أراد هذا فحمل الحصير عليه.
السادسة عشرة: لما قال تعالى: {رجالٌ} وخصّهم بالذكر دلّ على أن النساء لا حظّ لهنّ في المساجد؛ إذ لا جمعة عليهنّ ولا جماعة، وأن صلاتهن في بيوتهن أفضل.
روى أبو داود عن عبد الله رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتُها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها».